معنى الرخ لا


 
يتساءل الكثيرون عن معنى كلمة "الرخ لا"، ويستنكرونها ربما لجهلهم بمعناها، ويستفسرون عن أصلها في أي أرض نبتت. وأصل الرخ كلمة في قاموس المعاني اللغة العربية التراخي أي والكسل والفتور. أما أهل هذه القرية فقد زادوا على المعنى وابتدعوا، فصار معناه عنوانا للتحدي لا استسلام ولا خذلان.

وعندما تجتمع هذه الصفات (أي التراخي والكسل والفتور) في دولة تزعم أنها مستقلة منذ أكثر من نصف قرن، وتنعدم في نصف ترابها كل وسائل التنمية ما كثر منها وما قل، ويفتقر سكانها إلى أبسط المرافق الأساسية مثل المستشفيات المجهزة بالمعدات الطبية والعاملين عليها والطرقات والسكك الحديدية والمصانع، وعوض أن تهتم هذه الدولة والحكومات المتعاقبة بمسائل التنمية المحلية والحد من البطالة المتفشية عند عدد كثير من شباب هذه المناطق المنسية، تكون التنمية حينها من نصيب الشعور الشخصي بالتهميش والاحتقار، والأخطر من كل هذا زيادة الإحساس بانعدام المواطنة في ظل دولة القانون التي صار الفساد هو العمود الفقري المتحكم  لسياستها.
وتعتبر تطاوين أكبر الولايات التونسية مساحة وأغناها من حيث الثروات الباطنية وكثرة اليد العاملة الشابة لديها،  لكنها تظل الولاية الأكثر تهميشا وفقرا مقارنة بالولايات الأخرى.

عجزت الدولة عن تحقيق طلبات المحتجين، ورغم المحاولات الفاشلة من طرف الحكومة بثنيهم عن مواصلة احتجاجاتهم السلمية، عبر مفاوضات قام بها رئيس الحكومة نفسه مع المحتجين أعطى خلالها وعودا كانت الغاية منها بالأساس احتواء الموقف وامتصاص الغضب الشعبي، لذلك لم ترقى هذه الوعود إلى المستوى الأدنى من طلباتهم المشروعة والتي اعتبروها إهانة في حقهم، لأنها كانت وعودا زائفة كما جرت العادة مع عدة مسؤولين قبله، ووقع طرده في موقف مهين جدا.

ومن هنا كان من الضروري أن تتحرك الدولة العميقة بشكل أو بآخر حفاظا على مصالحها الاستراتيجية، بمحاولة يائسة منها بتصعيد الموقف بافتعال عمليات إرهابية هنا وهناك، لتشتيت انتباه الرأي العام عن الاعتصام السلمي الذي يخوضه الشباب في منطقة الكامور، الذين يطمحون لاستعادة خيراتهم المنهوبة أمام أعينهم منذ عدة عقود، وصار يحسب لهم ألف حساب، لما بلغوه من درجة كبيرة في الوعي والتنظيم الجيد والمحكم.

 اشتغلت الآلة الإعلامية للدولة العميقة ضد الاحتجاجات وبالغت في تشويهم وأظهرتهم في صورة الهمج واستكثروا عليهم مطالبهم الشرعية، من عيش كريم وحقهم في التشغيل والتنمية، وأثبت أنها مجرد أداة رخيصة في يد أحزاب متحكمة في المشهد الإعلامي ليس من مصلحتها أن تستمر الاعتصامات لأكثر من يوم، لكن التنظيم المحكم للشباب خيب آمالهم واستغلوا خبرتهم الواسعة لمواقع التواصل الاجتماعية كإعلام بديل  .

هذه الاعتصامات  الشعبية التي تحدث الآن في الكامور وما حدث قبلها منذ بضعة شهور في واحة جمنة، أثبتت بما لا يدع مجالا للشك أن الدولة التونسية ما زالت مستعمرة، لكن هذه المرة من طرف عدة شركات تنهب خيراتها منذ حكم بورقيبة إلى بن علي وحتى الحكومة الحالية، وأثبتت بالكاشف من هم في صف الشعب ومن يتآمرون عليه.

معركة الاستقلال الفعلي بدأت الآن في الكامور، وهي معركة مصيرية ضد الاستعمار الممنهج وضد كل أشكال الاضطهاد والتهميش والاحتقار، بالنيابة عن سكان المناطق الأخرى، وهي معركة طويلة الأمد وستسمر ما دامت لم تحقق كل مطالبها، وهي مواصلة طبيعية لما بدأت به ثورة 2010، وهي معركة استعادة الكرامة والحرية، واستعادة حق الفرد في العيش في وطنه عوض الهجرة لدول أخرى بحثا عن الرزق بينما تزخر أرضه المنهوبة بكل الخيرات، لذلك كان الشعار الذي رفعه أهل الجنوب "لا للاستسلام، لا للخذلان" بعبارة أدق "الرخ_لا".

Commentaires

Articles les plus consultés